يشكل المخيم آفاقنا الاجتماعية والسياسية الحاضرة والمستقبلية، ورغم أن الدول والمنظمات غير الحكومية كانت تشارك بحيوية في رعاية المخيمات، إلا إننا ما زلنا تكافح من اجل فهم كيف قامت بنية المخيم بتفكيك وتشظية وتحوير فكرة المدينة باعتبارها نسقا ومجتمعا سياسيا منظما.
عملت ولادة المخيم على التشكيك في فكرة المدينة كفضاء ديمقراطي، ذلك انه إذا كان التمثيل السياسي للمواطن يتمثل في الفضاء العام، فإن مت هو موجود في المخيم عكس ذلك تماما، ذلك أن المخيم هو المكان الذي يتم فيه الانتقاص من المواطنة او تجريد المواطن فيه من حقوقه السياسية حتى الحدود الدنيا، عليه؛ فإن المخيم يمثل بنية مضادة للمدينة ولكنه على الاغلب يشكل فضاءً مضادا يصاغ فيه شكل جديد من أشكال التمدن ارتباطا بفكرة الدولة القومية.
وإذا كانت المدينة قد مثلت تاريخيا المكان الذي يعترف فيه بحقوق المواطنين – كما يبدو – من خلال استبعاد جزء من السكان خارج جدرانه، فإن اختراع المخيم يعتبر آلية جديدة للمدينة من اجل تحقيق ذلك.
إن نظام المخيم يتجاوز ثنائية “الادماج – الإقصاء التي تفصل ما بين المواطنين وغير المواطنين، ويتجاوز ما هي عليه اليوم حدود الدول القومية، حيث يحدد المخيم حدود تلك الآلية وتدهور المنظومة السياسية، والتي هي محاولة يائسة للحفاظ على المنظومة السياسية التي عفا عليها الزمن من خلال حصر جميع أولئك الذين “لا ينتمون إليها” ما يعني اننا اما خيار ثالث آخر غير خياريّ من هو داخل المدينة ومن هو خارجها، إنه خيار من لا ينتمي إليها، الامر الذي يؤدي إبعاد عدد متزايد من الأفراد عن المدينة.
إن ما يتم انتاجه في المخيم هو نموذج إنسان يحوز على الحد الادنى من ردود الفعل البسيطة، بكلمات اخرى انه نموذج “المواطن” في سياق دولة استبدادية، حيث يمكن أن تنتج مثل هذا المواطن على نحو جزئي خارج المخيمات، في الفضاءات العالقة ” فضاءات الارجاء أو التعليق”، حيث يأخذ العزل المكاني معنى جديدا، ليصبح حبسا حقيقيا تحت المراقبة المسلحة، وما يشكله الوجود في هذه الفضاءات من خطر على الحياة.
أنها إشارة إلى تفكك العلاقة السياسية بين الاراضي والسكان، ليصبح شكل من أشكال التوطين بالنسبة لأولئك الذين لا ينتمون إلى قومية او دولة، إن الفضاءات العالقة هي أماكن محصورة وفي طي النسيان داخل النظام المكاني والاجتماعي لمنطقة تقصي الكثير من أعضائها.
إن حالة التحول الاقتصادية والاجتماعية الجارية بصورة راديكالية والتي نجد أنفسنا فيها اليوم، تعمل على انتشار حالة مماثلة للمخيم في كافة أرجاء العالم، حيث توجد أماكن عزل لا تعد ولا تحصى لسكان محتجزين بصورة وقائية بحجة كونهم “خطيرين” او ” عدائيين”، المخيمات التي تسبق أو تتبع الحروب وكل الاماكن التي تتم فيها عمليات التدخل الانساني، السفن التي يكون فيها الناس محتجزين، مخيمات اللاجئين التي يولد فيها الناس ويموتون في انتظار العودة إلى الوطن.
في الوقت نفسه، فتحت ظروف مخيم أفقا جديدا من التشكيلات السياسية والاجتماعية، في الصفحات التالية سوف أتنقل بين هذين القطبين.
الاصول الاستعمارية “الكولونيالية” لاماكن العزل
انشئت معسكرات الاعتقال الأولى لضبط حياة السكان في إقليم ما في الأراضي المسيطر عليها اوربيا بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين،و بالنسبة للجزء الاكبر من تلك المعسكرات فقد أنشئت لأغراض الأمن في مواجهة مخاطر الثورات المحتملة، واستنادا لفوكو، يمكن القول إن الأوروبيين تعاملوا مع مشكلة كيفية مراقبة وضبط شعب بأكمله في حالة تمرد على الهيمنة الاستعمارية، من خلال إدخال أليات العقاب على سبيل المثال(السجون) وكذلك بواسطة آليات المنع والتحكم بحالات الاضطرابات كالحبس الوقائي، وهو ما يشير إلى أن جميع أشكال القمع الاستعماري تتشابه وتتقاطع مع بعضها.
إن احتجاز السكان داخل مساحة صغيرة لا تؤدي فقط إلى قمع وإخماد الثورات، ففي كثير من الأحيان تؤدي هذه السياسة وظيفة متناقضة وغامضة لحماية السكان المدنيين غير المقاتلين، حيث قصدت القوى الاستعمارية من إقامة المخيمات ” رعاية” شعوبها، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ ازدواجية طبيعة المخيم من حيث كونه مكان “لاحتواء” حرية المواطنين وذلك من اجل “مصلحتهم”، لقد اعتبرت المخيمات في المستعمرات نموذجا شرعيا ومهما كإجراء أمني ضد المحتجزين، انها عملية ضرورية عملت بسبب وضع استثنائي، وهو منظومة الإدارات التي كانت خارج قوانين الدولة أو مستعمرة.
لقد كان تعليق الحقوق التي كان من السهل تنفيذها في المستعمرات، امرا من شأنه ان – كما نعرف- يمارس بنجاح كبير في أوروبا كذلك، حيث استخدمت السلطات النازية الحبس الاحتياطي لشرعنة معسكرات الاعتقال، وهو الامر الذي لم يكن من اختراع الرايخ الثالث، بل كان الانجليز هم اول من استخدمه لقمع مقاتلي البوير في جنوب أفريقيا ففي ذلك الوقت تم احتجاز 120 ألف نسمة من شعب البوير في معسكرات الاعتقال التي تتكون من خيام وثكنات مسيجة بالأسلاك الشائكة، وعلى الرغم من أن التبرير الرسمي لهذا الاجراء بكونه حماية بقية السكان الذين لم يشاركوا في الثورة، فإن أكثر من عشرين ألف شخص ماتوا في المعسكرات.
أنشأ الانجليز معسكرات الاعتقال في جنوب أفريقيا في أوائل القرن التاسع عشر، حيث اختلفت عن تلك التي تم إنشاؤها في الفترة نفسها من قبل البلجيكيين في الكونغو أو الإسبان في كوبا، فقد كان المحتجزين من قبل البلجيكيين والإسبانيين هم من الشعوب ألأصلية حيث كانوا سكانا بدون حقوق ولم يمنحوا المواطنة، في حين ان السكان المحتجزين “في جنوب افريقيا لم يكونوا من شعوب أصلية “بربرية متخلفة” بل كانوا من الأوروبيين البيض، وكان هذا أول تجلي لظاهرة ستنتشر فيما بعد على نطاق واسع: وهي تحول المعسكر”المخيم” ليكون جهازا امنيا يستخدم ضد مواطنيه.
وهذا ما حدث لاحقا في أوروبا مع اليهود الألمان والروس، هذه المعسكرات الاستعمارية الأولى والتي أنشئت في الفترة ما بين نهاية 19 وبداية القرن 20، عملت على “إنتاج” نوع جديد من السكان الذين اعتبروا ” خطيرين” و “غير مرغوب فيهم”، و “مثيرين للشبهات” الامر الذي أوجب أن يظلوا تحت السيطرة لمجرد أنهم ينتمون إلى دين معين أو قبيلة أو عرق.
وبذلك اصبح المخيم فضاءً حيث يدان فيه الاشخاص الابرياء رغم عدم اقترافهم لأي جرم، فيما تم تعليق كافة الحقوق داخل سياج المخيم فيما ترتكب جرائم القتل مع الإفلات من العقاب، ففي داخل الفضاءات العالقة “التعليق” كان يتم تحويل شعب إلى مجرد سكان وأرقام يحكمون ويداورون ومن هذه النقطة تبدأ احتمالات عمليات الابادة.
لقد شاع نموذج القواعد الاجتماعي والمكاني هذا في التاريخ الاستعماري، فمن المستعمرات الألمانية التي تعرف الآن بناميبيا، أمكن إبادة ثلاثة أرباع السكان الهيريرو في سنة واحد، إلى معسكرات الاعتقال الإيطالية التي أقامها الجنرال غراتسياني في ليبيا، إلىي القرى التي بنيت في الجزائر ابان الاحتلال الفرنسي، إلى تلك التي تم إنشاؤها من قبل الإنجليز في كينيا ضد تمرد الماو ماو.
لقد كانت آليات التحكم الاداة الافضل في مختبر المشروع الاستعماري بين الحربين العالميتين التي من شانها ان تستخدم ضد الأوروبيين والذين طوروها بأنفسهم، فخلال الحرب العالمية الأولى، وامام موجات اللاجئين وعديمي الجنسية كان احتواء السكان بالكامل ” هو الحل” في أوروبا، حيث ظهرت اول معسكرات التركيز في هولندا كعملية “ترحيب” باللاجئين البلجيكيين بعد الاجتياح الألماني، وفي إنجلترا، كإجراء للاحتجاز الأجانب، وفي فرنسا كان أول تلك المعسكرات لاحتواء الجمهوريين الاسبان وفيما بعد لاحتجاز المنفيين الالمان، وكما قالت حنة أرندت، كان البديل العملي الوحيد لوطن غير موجود هو معسكر الاعتقال، في الواقع وفي ذلك الوقت المبكر من الثلاثينيات كان المخيم هو الوطن الوحيد الذي كان العالم يمكن ان يقدمه لعديمي الجنسية، إلى ذلك فقد انتج في هذا السياق التاريخي اكثر اشكال المخيمات تطرفا: معسكرات الابادة النازية و “العبودية الجديدة” لمعسكرات الاعتقال السوفيتية.
إن آثار التجربة لم تبقى محصورة داخل المخيم، خلف الحواجز والأسلاك الشائكة، ولكنها عمت فضاءات المدينة، لتغزو المناطق التابعة لمواطنيها، فيما أصبحت ممارسات الحرمان شائعة في في فرنسا في وقت مبكر من بداية عام 1915، في الاتحاد السوفيتي ابتداء من عام 1921، في بلجيكا في عام 1922، في إيطاليا في عام 1926، وفي ألمانيا بدءا من عام 1935، حيث يفسد المخيم العلاقة السياسية بين للمواطنين وبين مدينتهم أو الدولة، حتى تنتهي العملية بتدمير تلك العلاقة تماما.
فضاءات التعليق كشكل من أشكال التحكم الاجتماعي والمكاني
إن الفرضية التي نقوم بطرحها هي في اعتبار أن الفضاءات العالقة “فضاءات التعليق” قد استدعيت الى حيز الوجود بسبب المخاوف الأمنية، لكونها نموذج حقيقي للسيطرة الاجتماعية والمكانية، وقد رأينا كيف تظهر في كل مرة هذا العلاقة بين المكان والسكان حين نكون امام دولة تمر بحالة أزمه، وكما ذكرنا فإن ظهورها الاول كان في السياق الاستعماري، بوصفها أداة للتحكم في السكان المحليين، لتظهر في وقت لاحق في اوربا بعد انهيار الامبراطوريات، وأخيرا في وقتنا الحاضر حين تدخل العلاقة بين الاقليم، الدولة والسكان مرة أخرى في أزمة بفعل القدرة التفكيكيه للهجرة والعولمة الاقتصادية والاتصالات.
وما باب كون الفضاءات العالقة” فضاءات التعليق” إجراءات استثنائية للتعامل مع الحالات استثنائية مثل (الهجرات والحروب والإرهاب)، فقد تحولت تلك الفضاءات مع مرور الوقت إلى أشكال دائمة للحكم، وبإقتفاء مقاربة حنة أرندت فإن الهدف الحقيقي من المخيم هو إنتاج مواطنين مسيطر عليهم من قبل السلطة، فيما يمكن اعتبار فضاءات التعليق الوسائل التي تسيطر السلطة بها على السكان، ويرى ميشيل فوكو أنه بدءً مع نهاية القرن الثامن عشر في أوروبا، أصبحت البيولوجية الحيوية والتي تحدد صمات الفضاء البشري موضعا للسياسة، استراتيجية سياسية واستراتيجية عامة للسلطة، باختصار، هذا التغيير ولد رؤية سياسية تركزت على مفهوم السكان وآليات قادرة على ضمان تنظيمه، إلا انه يحذر، مع ذلك، من أن هذا لا ينطوي على الانتقال من حالة الدولة الاقليم إلى حالة دولة السكان، وإنما تحولا في تركيز وظهور أهداف جديدة؛ حيث يرافق هذا التطور مشاكل جديدة وتقنيات جديدة، حيث الحياة محوطة في الفضاء الإقليميي، وبذلك يصبح السكان الهدف الأساسي لمؤسسات المحاسبة والإجراءات والتكتيكات التي تستخدمها الأجهزة الأمنية كأداة تقنية اساسية.
المخيم كموقع للابتكار السياسي
على الرغم من حقيقة أنه تم استخدام “صيغة المخيم” كأداة تنظيم “تتجاوز البعد السياسي للاجئين”، يكون مخيم، كمساحة استثنائية هو أيضا مختبر لمكافحة الممارسات السياسية، وبالمثل وعلى الرغم من أن النتاجات العلميه المعاصرة قدمت اللاجئين كفئة مركزية حرجة لمنظماتنا السياسية الراهنة، فقد خفضت تلك التصورات اللاجئين إلى مجرد كونهم موضوعا سلبيا، وهذا نتيجة ممارسة السلطة وغياب الاستقلالية .
خلال البحث في الممارسة الاجتماعية والسياسية في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، نود تحدي فكرة كون اللاجئين موضوعا سلبيا، هادفين إلى وضع تصور مخالف يرى الممارسة اليومية للاجئين كرد فعل مقاوم في أفضل حالاتها، زاعمين أن البعد السياسي يأتي أولا في حياة اللاجئين اليومية، يليها المراقبة وأجهزة العقاب العسكرية التي بنتها السلطات من أجل قمع ومصادرة ما يتم إنتاجه أو يعيشه اللاجئين، هذه الممارسات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية نشئت في ظل ظروف تاريخية محددة، حيث تمر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية بمرحلة تحول سياسي وتاريخي واجتماعي ومكاني والذي بدأ مع عملية أوسلو، وارتباطا “بضعف الحكومة الانتقالية المضيفة” السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم من أو ربما بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي، خلقت مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية مساحات ذاتية مستقلة اجتماعيا وسياسيا نسبيا، فعلى سبيل المثال، يوجد في مخيم الدهيشة الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واحد أكثر من عشرين جمعية وهيئة غير حكومية، حيث عملت على تغيير النظرة للاجئين الذين لم يعودوا مجرد موضوع للتدخل الانساني بل اضحوا موضوعا سياسيا نشطا، لقد تحول مخيم للاجئين من منطقة حضرية مهمشة إلى مركز للحياة الاجتماعية والسياسية، فيما لم تعمل مثل هذه التحولات الجذرية على تغيير وضعه السياسي من كونه منفى، فعلى مدى عقود تبنى الخطاب السياسي حول حق العودة فكرة عدم تحسين شروط حياة اللاجئين لإبقاء حق العودة حاضرا من خلال كون المخيمات حالة مؤقت وطارئة، الامر الذي أجبر اللاجئين على العيش في ظل ظروف مروعة في المخيمات، ما يظهر اليوم هو الحاجة للإعادة النظر في فكرة ان تحسين الظروف المعيشية في مخيمات اللاجئين تتعارض مع حق العودة، حيث يعمل اللاجئون على إعادة إبتداع الممارسات الاجتماعية والسياسية التي تعمل على تحسين حياتهم اليومية دون تطبيع حالة المخيم السياسية، ومن الأمثلة على هذه الممارسات هي إعادة صياغة الخطاب السياسي حول اللجوء، من قبل مركز الفينيق الثقافي الذي يستضيف جامعة في المخيم في.
مركز الفينيق الثقافي
منذ إنشاء مخيمات اللاجئين بعد النكبة 1948-49، حتى يومنا هذا، حظر الخطاب السياسي الرسمي أي تنمية مجتمعية، وذلك بسبب المخاوف السياسية من ان تطوير المخيمات ودمجها في محيطها الاجتماعي قد يؤثر سلبا على تطبيق حق العودة، حيث استند هذا الخطاب على افتراض أنه طالما كان اللاجئين يعيشون في ظروف مروعة، فإن معاناتهم ستكون عاملا ضاغطا على المجتمع الدولي من اجل العمل على تطبيق حق اللاجئين في العودة، فيما سيؤدي أي تحسن على وضع اللاجئين المعيشي في المخيمات الى الاضرار بحق العودة، عليه؛ فإن بناء مركز الفينيق في مخيم الدهيشة جاء كتحدي لذلك الافتراض ولإثبات ان تحسين ظروف الحياة في المخيم سيكون داعما أفضل للنضال من أجل حق العودة.
الفينيق مركز متعدد الاهتمامات الاجتماعية والثقافية تم بناؤه على أحد المواقع التي كان منويا ان يبنى عليها سجن، بعد ان سيطر عليه اللاجئين وتحويله من مكان لسجن إلى مكان لمركز ثقافي، الامر الذي يعتبر دليلا فعليا على البصيرة والقوة والفعالية لمجتمع اللاجئين، لقد كان الموقع في الحقيقة جزء من مجمع عسكري أكبر استخدم من قبل الجيش البريطاني خلال الانتداب، ثم الجيش الأردني، وأخيرا جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعد ان انسحب الجيش الاسرائيلي جزئيا من منطقة A في الضفة الغربية خططت السلطة الوطنية الفلسطينية لبناء سجن على هذا الموقع كاستمرار لسيرة الموقع التاريخيه في كونه يخدم مؤسسات رقابية وعقابية، وفي هذه اللحظة قام اللاجئون بوضع يدهم على الموقع وخلال بضعة أشهر تم بناء مركز ثقافي بدلا من السجن المخطط له من قبل السلطة الوطنية.
يضم المركز اليوم قاعة كبيرة للاعراس (احد اهم الفعاليات الاجتماعية في المخيم) مكتبة إداورد سعيد، صالة رياضية للنساء، دار الضيافة، واليوم يستضيف الفينيق أيضا جامعة في المخيم ، يقوم الفينيق بإبراز ثراء القيم الاجتماعية والثقافية للاجئين في المنفى، وفي نفس الوقت يفتح أشكال جديدة من التفكير، والعمل والنضال من أجل حق العودة، حيث يطالب الخطاب الرئيسي لحق العودة اللاجئين نسيان القمع والثقافة المنتجة في ستين عاما من المنفى.
أجاب ناجي العودة، مدير مركز الفينيق عندما سأل إذا كان بناء المركز يمثل شكلا من أشكال الاستقرار في المخيم قائلا: “أنا مستعد لهدم المركز والعودة إلى الوطن، أو ربما أفضل من ذلك ان اقوم ببناء مركز الفينيق مرة اخرى في قريتي الأصلية.
فيما تعتبر عملية الطلب من اللاجئين تدمير شبكة الاجتماعية وحياتهم القائمة في المنفى من أجل العودة إلى أصولهم أمرا أقرب إلى” نكبة الثانية “من حيث تأثيرها النفسي والاجتماعي، إن مركز الفينيق في الواقع يمثل جسرا يربط مكانين..المنفى والموطن الاصلي، اما عن إسم مركز الفينيق فهو مستمد من إسم طائر أسطوري يموت احتراقا ويولد من جديد من بين الرماد، ويشبه ذلك حالة اللاجئين في سعيهم إلى إعادة بناء هويتهم وثقافتهم على رماد قراهم المدمرة.
ربما حان الوقت أن نتخذ إقتراح جورجيو أغامبين على محمل الجد حين قال” إذا أردنا أن نفهم ما يشكل الفضاء السياسي في المدينة اليوم، يجب ان لا ننظر إلى الفضاء العام ومؤسسات الدولة، ولكن يجب ان نلتف إلى مخيمات اللاجئين، في الواقع يقع مستقبلنا السياسي في هذا التعبير السياسي والمكاني الفريد لكل من حيز من الأصول والمنفى.
أليساندرو بيتي – مخيم الدهيشه 2012/05/08